في شوارع المدينة المزدحمة حيث يسير الجميع غارقين في مشاغلهم اليومية، تمر سيارات الإسعاف مسرعة تصاحبها صفاراتها المميزة التي تشق صمت اللحظة. بالنسبة للبعض قد تكون تلك الصافرات مزعجة لكنها في الحقيقة تمثل نداء استغاثة وداخل كل سيارة إسعاف يقف أبطال مجهولون يحملون على عاتقهم مسؤولية إنقاذ الأرواح. هؤلاء هم رجال الإسعاف أبطال الحياة اليومية الذين يواجهون الموت يوميًا دون أن نمنحهم التقدير الكافي.
عمل رجل الإسعاف لا يقتصر فقط على نقل المرضى والمصابين إلى المستشفيات بل هو مزيج بين السرعة في الاستجابة والدقة في تقديم الرعاية. في اللحظات الحرجة يصبح رجل الإسعاف طبيبًا نفسيًا يهدئ من روع المصابين، وخبيرًا في التعامل مع إصابات قد تكون مميتة. كل ثانية تمر في تلك اللحظات قد تعني الفرق بين الحياة والموت. رجال الإسعاف يتعاملون مع كافة أنواع الحالات: الحوادث المرورية، النوبات القلبية، الكوارث الطبيعية، وحتى الولادات الطارئة. إنهم أول من يصل إلى موقع الحادث، وغالبًا ما يكونون المسؤولين عن استقرار حالة المصاب قبل نقله إلى المستشفى.
رغم الدور المحوري الذي يلعبه رجال الإسعاف إلا أن التحديات التي يواجهونها لا تحصى. يعملون لساعات طويلة قد تتجاوز الـ12 ساعة يوميًا وغالبًا دون فترات راحة كافية. يتعرضون لضغط نفسي هائل بسبب التعامل المستمر مع مشاهد الإصابات الخطيرة والوفيات، إلى جانب الضغط النفسي يواجه رجال الإسعاف خطر الإصابة أثناء أداء عملهم. في بعض الحالات، يكونون ضحايا لحوادث أثناء القيادة السريعة للوصول إلى المصابين. وفي حالات أخرى قد يتعرضون للاعتداءات الجسدية أو اللفظية من قبل أفراد غاضبين في مواقع الحوادث.
رغم الدور البطولي لرجال الإسعاف إلا أن التقدير المجتمعي لهم لا يزال غائبًا في كثير من الأحيان. الرواتب التي يتقاضونها في بعض الدول لا تعكس حجم التضحيات التي يقدمونها كما أن هناك نقصًا في الدعم النفسي المقدم لهم على الرغم من أنهم يواجهون صدمات نفسية مستمرة بسبب طبيعة عملهم. في بعض الدول، قد لا يحصل رجال الإسعاف على التأمين الصحي المناسب أو التدريب الكافي لمواكبة التطورات الحديثة في المجال الطبي. هذه المشكلات تجعل من الصعب عليهم أداء عملهم بكفاءة، رغم رغبتهم الصادقة في إنقاذ الأرواح.
قصص رجال الإسعاف مليئة بالمواقف البطولية التي تعكس حجم تضحياتهم، أحد القصص: اضطر فريق إسعاف إلى حمل مريض لمسافة 10 كيلومترات سيرًا على الأقدام بعد أن تعطلت سيارتهم في طريق جبلي وعر رغم الصعوبات أصر الفريق على الوصول بالمريض إلى المستشفى، حيث تم إنقاذ حياته.
وأخرى: في إحدى ليالي الشتاء القارسة تلقى فريق الإسعاف مكالمة طارئة عن امرأة مسنة تعاني من أزمة قلبية حادة. وصلت سيارة الإسعاف إلى مكانها في دقائق معدودة، لتجد السيدة في حالة حرجة تكافح من أجل التنفس، بهدوء وثبات بدأ رجال الإسعاف بتقديم الرعاية الأولية. تم تزويدها بالأكسجين ومراقبة نبضها أثناء الطريق إلى المستشفى. أحد المسعفين جلس بجوارها، يمسك بيدها ويطمئنها أن كل شيء سيكون بخير. يقول المسعف: “كنت أرى الخوف في عينيها، لكنني حاولت أن أكون صوت الطمأنينة وسط الفوضى”. هذه القصة ليست استثناءً، بل جزء من واقع يومي يعيشه رجال الإسعاف، الذين يتواجدون في أصعب اللحظات ليعيدوا الأمل إلى قلوب من يواجهون الموت.
أقل ما يجب علينا هو تحسين أوضاع رجال الإسعاف لا يجب أن يكون رفاهية، بل ضرورة مجتمعية. يجب أن يحصلوا على رواتب عادلة تعكس جهودهم، وتوفير بيئة عمل آمنة تضمن سلامتهم الجسدية والنفسية. كما يجب أن تكون هناك برامج دعم نفسي تساعدهم على تجاوز الصدمات التي يواجهونها يوميًا. التقدير الإعلامي والمجتمعي لهم يمكن أن يكون خطوة كبيرة نحو تسليط الضوء على جهودهم وتشجيع الآخرين على احترام دورهم.
يمكن لكل فرد في المجتمع المساهمة في تحسين أوضاع رجال الإسعاف من خلال خطوات بسيطة منها احترام الأولوية لسيارات الإسعاف في الطرقات و نشر الوعي بأهمية دورهم والتوقف عن انتقادهم في المواقف الطارئة و دعم حملات تهدف إلى تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية.
رجال الإسعاف ليسوا مجرد موظفين، بل أبطال يحملون على عاتقهم مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع. حياتنا قد تكون معلقة بلمسة من أيديهم أو قرار سريع يتخذونه في لحظات حرجة. حان الوقت لأن نمنحهم التقدير الذي يستحقونه، ونعترف بأنهم جزء لا يتجزأ من منظومة الحفاظ على حياتنا. في المرة القادمة التي تسمع فيها صوت سيارة الإسعاف، تذكر أن خلف تلك الصافرة يقف أبطال مجهولون يعملون ليل نهار من أجلنا
بينما يخلد معظمنا إلى النوم في أمان، هناك رجال إسعاف يسابقون الزمن لإنقاذ حياة شخص لا يعرفونه. يهرعون عبر الطرقات المظلمة، يحملون أرواح الآخرين بين أيديهم، لكنهم في كثير من الأحيان يعودون إلى منازلهم مُنهكين، دون أن يجدوا من يُثمن جهدهم. تخيل أن ترى الموت يوميًا، أن تسمع صرخات الألم وتظل واقفًا بثبات، بينما قلبك ينفطر على ما تراه. تخيل أن تُحمل على عاتقك أمل أسر كاملة في النجاة، لكنك بالمقابل لا تجد التقدير الكافي.
رجال الإسعاف هم أبطال الظل الذين لا يبحثون عن أضواء الشهرة، لكن غياب التقدير يجعل صمتهم يصرخ. كل يوم ينقذون أرواحًا، بينما تضيع حياتهم في مزيج من التعب والإهمال. ألا يستحق هؤلاء الجنود المجهولون، الذين يواجهون الموت بوجهٍ مبتسم، أن نصغي لصفارتهم ونمنحهم المكانة التي يستحقونها؟ في المرة القادمة التي ترى سيارة إسعاف، تذكر أن خلف الزجاج يقف شخص قد ضحى براحته وربما بحياته، فقط ليمنح غيره فرصة للنجاة..
لا يوجد تعليقات