أنت أقوى من الشوكولاتة
هل فكرت يوماً ما السبب الحقيقي الذي يجعل قطعة الشوكولاتة تلاحقك مثل ما يلاحق الأسد فريسته؟ رغم أنك قررت بكل حزم أن -لاسكر بعد اليوم- أو لماذا تظهر أمامك قطعة شوكولاتة بعد كل وجبة كأنها زائر مفاجئ بعد منتصف الليل؟ الإجابة ليست -ضعف إرادة- كما نعتقد دائماً بل هي خطة محكمة من دماغك، السكر مكون ساحر يشعرك بسعادة مؤقتة لا يكتفي بإعطائك الطاقة فقط بل ينبه دماغك ليشعر ويفرح وكأنك فزت بالميدالية الأولى في رياضتك المفضلة، و العجيب أن دماغك يعتمد عليك أنت في أخذ القرار بينما أنت في حرب مع قطعة كيك صغيرة لا يعلم عنها أحد غيرك.
عند تناول السكر يفرز الجسم مادة أسمها -دوبامين- التي تثير مشاعر الفرح و السرور مما يجعلنا نريد منها المزيد والمزيد، بمرور الوقت يعتاد الدماغ على هذة المكافأة السريعة و مع استمرار زيادة جرعة الدوبامين نبدأ في تناول جرعات أكثر للحصول على نفس الشعور، هذا ما يعرف بإسم – الإدمان البيولوجي- للسكر و يصبح تناول السكر عادة يصعب التخلص منها.
إن نظرنا إلى الماضي سنجد أن السكر كان صعب المنال والحصول عليه ليس بالسهل أبداً كانوا يعتمدوا قديماً على الفواكه الطازجة والعسل كمصادر أساسية للطعم الحلو، من كان غنياً و ينتمي لطبقات معينة بالمجتمع هو من يمتلك رفاهية تواجد السكر في منزله حيث أنه يعد من وسائل الترفية قديماً. ومع تطور الزراعة بدأنا في استخراج السكر من النباتات بشكل أكثر فاعلية وبالتدريج أصبح السكر متاحاً على نطاق أوسع أما اليوم أصبح السكر شئ أساسي في كل منزل ويدخل في معظم الأكلات و المشروبات اليومية حتى في المنتجات التي لا تعتبر حلوة مثل -الخبز، الصلصة المعلبة، المشروبات الغازية- هذا التحول جعلنا نتناول كميات أكبر من السكر مما نعتقد أنه دخل أجسامنا.
عندما نتناول السكر يقوم الجسم بهضم الطعام بسرعة مما يؤدي إلى إرتفاع مستوى الجلوكوز في الدم وهذا يعطي الجسم طاقة فورية ويشعر بحالة من النشاط و التركيز، لكن هذا النشاط لا يدوم طويلاً و يبدأ مستوى السكر في الدم في الهبوط فجأة مما يسبب شعوراً بالتعب أو الجوع مرة أخرى و هذا ما يشعرنا بالحاجة الملحة لتناول المزيد من السكر لنعود إلى الحالة الأولية من النشاط. الإفراط من تناول السكر له آثار سلبية خطيرة يؤدي لزيادة الوزن حيث أن الجسم لا يستخدم جميع السعرات الحرارية التي يتلقاها من السكر فيتم تخزينها على شكل دهون تعيق عمل القلب بشكل كامل كما يؤثر على صحة الأسنان حيث أن السكر يعمل على تغذية البكتيريا التي تسبب التسوس.
لنرتب افكارنا معاً في كيفية التغلب على إدمان السكر رغم أن العملية ليست سهلة إلا أن هناك خطوات يمكن اتخاذها لتقليل إستهلاك السكر بشكل تدريجي والحد من تأثيراته السلبية أولاً: من الأفضل التقليل من تناول السكر بشكل تدريجي بدلاً من الإقلاع المفاجئ عنه فذلك قد يؤدي إلى أعراض إنسحاب مشابهة لتلك التي يعاني منها الأشخاص الذين يتعافون من المخدرات ثم الإنتقال إلى البدائل الصحية مثل الفواكة الطبيعية. ثانياً: البحث عن بدائل للسكر المكرر مثل حبوب السكر الدايت المتداولة في الصيدليات حيث انها صنعت بطريقة ما لتحتوي على سعرات حرارية أقل و لا تسبب ارتفاعاً حاداً في مستويات السكر في الدم، و إمكانية تناول الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات التي تساعد على الشعور بالشبع لفترة أطول و تقلل الرغبة في تناول السكر. من جانب آخر يمكن للرياضة أن تكون حلاً فعالاً للتقليل من الإدمان على السكر، فالتمارين الرياضية تحفز الجسم على إفراز الدوبامين بشكل طبيعي مما يساعد على تحسين المزاج و تقليل الحاجة للمكافآت السكرية و بدلاً من مكافآة النفس بتناول الحلوى يمكن إستبدالها بمكافآت أخرى مثل ممارسة هواية مفضلة أو شراء شئ مفيد.
من المهم أيضاً أن نكون واعين للعادات اليومية التي تتعلق بتناول السكر فالكثير من الناس يربطون تناول السكر بمواقف معينة مثل: بعد تناول الطعام أو عند مشاهدة التلفاز، إذا كنت من أصحاب تلك العادات يمكن محاولة إستبدالها بعادة جديدة مثل شرب كوباً من الماء أو الوقوف في الهواء الطلق لتجديد هواء رئتيك. في الختام يمكننا القول إن السكر ليس مجرد مادة حلوة تملأ أفواهنا بالسعادة لفترة قصيرة بل هي في الواقع ساحر ماهر يمارس حيله في أعماق أدمغتنا و يخيل لك أن قطعة الحلوى أمامك تقول – لن تقدر على مقاومتي –.. أحياناً نشعر أن السكر هو الخصم في المباراة أمامنا و في النهاية ينتصر عليك بقوله – قطعة واحدة لن تضر-. السكر ليس هو العدو الوحيد لدينا فأدمغتنا تشارك في هذه اللعبة بحنكة شديدة و تعمل على إغرائنا للبحث عن إحساس الفرح والسرور والحصول على مكافآت لصالحها لكن كما هو الحال مع كل شئ في الحياة هذه سعادة قصيرة الأمد لا شئ يدوم و يعود الدماغ بطلب المزيد لنغرق في دائرة مفرغة. السكر هو الصديق الذي يأتي بإبتسامة و يغريك بكل ما هو لذيذ و عندما تفرح به يتركك في النهاية في مواجهة مع حسابات صحتك.
لا يوجد تعليقات