إستخدام الحيوانات في البحث العلمي “ضرورة أم تجاوز” ؟
إستخدام الحيوانات في البحث العلمي يُعد من القضايا المثيرة للجدل التي تجمع بين الجوانب العلمية، الأخلاقية، والقانونية. فقد ساهمت التجارب الحيوانية في تقدمات طبية وعلمية كبيرة، لكنها في نفس الوقت تثير تساؤلات عن مدى أخلاقيتها وضرورتها. يناقش هذا المقال بعمق مبررات إستخدام الحيوانات في البحث العلمي وأثر ذلك على المجتمع، مع الإشارة إلى القضايا الأخلاقية والقوانين الدولية والمحلية التي تحكمها، بالإضافة إلى البدائل الممكنة.
الفهرس

مبررات إستخدام الحيوانات في البحث العلمي
تُستخدم الحيوانات في الأبحاث العلمية لأسباب متعددة، لعل أبرزها:
- فهم الأمراض البشرية: تُستخدم الحيوانات كنماذج لدراسة تطور بعض الأمراض التي تصيب الإنسان، مما يمكّن العلماء من دراسة التغيرات الجسدية والنفسية بدقة.
- تطوير الأدوية والعلاجات: يُختبر فعالية وسلامة الأدوية على الحيوانات قبل تجريبها على البشر؛ ما ساعد في إكتشاف علاجات لأمراض خطيرة مثل السرطان، السكري، وأمراض القلب.
- تطبيقات بيولوجية وسلوكية: تُستخدم الحيوانات لدراسة الأسس البيولوجية لبعض السلوكيات النفسية والإضطرابات النفسية، مثل الإكتئاب والتوحد.
- التفاعل مع البيئة: تسهم الدراسات البيئية التي تعتمد على الحيوانات في فهم تأثير الملوثات والسموم البيئية على الكائنات الحية وبالتالي على النظام البيئي بالكامل.
القضايا الأخلاقية المرتبطة بإستخدام الحيوانات
تثير الأبحاث على الحيوانات جدلاً كبيرًا بشأن حقوق الحيوانات وأخلاقيات إستخدامها، وتشمل هذه القضايا:
- معاناة الحيوانات: تتعرض بعض الحيوانات للألم والإجهاد خلال التجارب، خاصةً تلك المتعلقة بدراسة الأمراض أو إختبار الأدوية، مما قد يتسبب بمعاناتها أو وفاتها.
- الحق في الحياة: يعتقد بعض الفلاسفة وعلماء الأخلاق أن الحيوانات، نظرًا لقدرتها على الشعور بالمعاناة، تمتلك حقًا أخلاقيًا في حياة خالية من الألم، وينبغي إحترام هذا الحق.
- الأضرار غير الضرورية: يشير المعارضون إلى أن الأبحاث على الحيوانات ليست ضرورية في كل الحالات، حيث يمكن إيجاد بدائل أخرى. ويدعون إلى إلغاء التجارب التي تسبب أذى غير مبرر للحيوانات.
- التوازن بين الفائدة والمخاطر: يرى بعض العلماء أن هناك ضرورة لإجراء بعض الأبحاث الحيوانية التي تساهم في إنقاذ حياة البشر وتحسين الصحة العامة، لكن يجب أن تكون التجارب مبررة أخلاقيًا بحيث لا تسبب معاناة غير ضرورية.
القوانين والإرشادات التي تحكم الأبحاث على الحيوانات
لضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للحيوانات، وضعت العديد من البلدان قوانين وإرشادات تحكم الأبحاث الحيوانية. تتطلب معظم الدول من الباحثين الالتزام بقوانين صارمة تتضمن:
- تطبيق مبدأ “البدائل”: يتضمن هذا المبدأ ضرورة البحث عن بدائل للتجارب الحيوانية وإستخدامها إذا أمكن. ويشمل ذلك إستخدام النماذج الحاسوبية، التجارب المعملية على الخلايا البشرية، والتقنيات الأخرى التي تقلل من الاعتماد على الحيوانات.
- مراعاة تقليل العدد والتخفيف من المعاناة: يلزم الباحثون بتقليل عدد الحيوانات المستخدمة إلى الحد الأدنى وضمان توفير ظروف حياة تحترم احتياجاتها البيولوجية وتخفيف المعاناة.
- التقييم الأخلاقي والدراسة المسبقة: تتطلب معظم الجهات البحثية إجراء تقييم أخلاقي لأي تجربة تشمل الحيوانات قبل تنفيذها. ويجب أن يكون هذا التقييم من لجنة مستقلة تقيّم مدى أخلاقية الدراسة وتحديد المخاطر المحتملة للحيوانات.

بدائل إستخدام الحيوانات في البحث العلمي
باتت التكنولوجيا تتيح بدائل أكثر تطوراً قد تقلل من استخدام الحيوانات في الأبحاث، ومنها:
- النماذج الحاسوبية والمحاكاة: يمكن أن تحاكي النماذج الحاسوبية التفاعلات الكيميائية والفسيولوجية، مما يساعد العلماء على فهم آثار الأدوية والمواد الكيميائية دون اللجوء إلى الحيوانات.
- التجارب على الخلايا البشرية: تتيح تقنيات زراعة الخلايا البشرية دراسة التفاعلات البيولوجية والعلاجات على المستوى الخلوي، مما يعد بديلاً فعّالاً للأبحاث الحيوانية.
- الاعتماد على تقنيات البيولوجيا الاصطناعية: مثل الأنسجة البشرية المصنّعة معملياً، التي يمكن استخدامها لدراسة التأثيرات الكيميائية أو الأدوية على الأنسجة المختلفة دون الحاجة إلى استخدام الحيوانات.
ختــاما
يبقى السؤال حول أخلاقية استخدام الحيوانات في البحث العلمي موضوعًا معقدًا يتطلب توازنًا بين الفوائد التي تعود على البشرية والألم والمعاناة التي يمكن أن تتعرض لها الحيوانات. وبينما ساهمت الأبحاث الحيوانية في إنجازات طبية عظيمة، تبقى الحاجة ملحة إلى تطوير بدائل أكثر أخلاقية. على العلماء ومجتمع البحث العلمي الالتزام بتطبيق المعايير الأخلاقية، والعمل على الحد من استخدام الحيوانات في التجارب بما يتوافق مع تقدم التقنية ووعي المجتمع بحقوق الحيوانات.
لا يوجد تعليقات