إفراج مع إيقاف التنفيذ
نبدأ بقول رسول الله ﷺ : -كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ-، تجربة السجن تعد من أصعب التجارب التي يمكن أن يمر بها الانسان فهي ليست مجرد فترة يقضيها الشخص خلف القضبان، بل هي رحلة من المعاناة النفسية والجسدية والعزلة عن العالم الخارجي، يعيش السجين في بيئة مغلقة تحرمه من أبسط حقوقه وحرياته، محاطاً بالقيود والقوانين الصارمة التي تقيد تحركاته وأفكاره إلى جانب ذلك يعاني السجين من شعور دائم بالوحدة والبعد عن أسرته وأصدقائه، مما يخلق لديه فراغاً عاطفياً وضغطاً نفسياً عميقاً.. فكيف لعصفور طليق أن يظل في قفصه وحيداً منتظر منه التغريد؟
يعيش السجين على وقع الأيام التي تمر ببطء شديد يعد الساعات بإنتظار الحرية وكأن كل يوم هو دهر كامل فتمر بصعوبة بالغه، وتراوده عدة اسئلة وأهمها: كيف سأعود لحياتي بعد الخروج من السجن؟ هل ستتقبلني عائلتي؟ هل سأجد وظيفة تكفل لي حياة كريمة؟ هل ستلاحقني وصمة العار لما تبقى من حياتي؟
فيخرج السجين إلى العالم الخارجي ويجد كل ماكان يقلقه ويراوده حقيقة من شعور بالعزلة والنقمة على المجتمع وفقدان الثقة بالنفس وسوء الوضع المادي وغيرها من الأحاسيس السلبية المؤثرة. فيجد كل من كان حوله من أصدقاء ومعارف انشغل في حياته الخاصه وجميع اشغاله ومصالحه تعطلت بالخارج وفقد وظيفته ولم يصبح لديه مصدر للرزق ويتحمل الآثار القانونية لجريمته السابقة من حيث تغيير مكان إقامته أو منعه من مزاولة بعض المهن أو مراقبته لفترة من الوقت أو مراجعة المؤسسات الأمنية من فترة لأخرى، كل هذا بالإضافة إلى النقطة السوداء التي لطخت ثوبه الجنائي.
ومن المتعارف عليه أن -المجتمع لا يرحم- عندما يخطئ شخص ما ويتوب عن خطأه ويكفر عن ذنبه ويعاقب عليه مع ذلك تبقى نظرة المجتمع له أنه مازال مذنب خاصة إذا كانت جريمته من النوع التي يصفها المجتمع بالشائنة مما يؤثر على العلاقات الإجتماعية وتواجده داخل المجتمع، بالرغم أن التوبة تجب ما قبلها والعائد من الذنب كمن لا ذنب له.
من هؤلاء السجناء من ظلم نفسه أو ظلم الآخرين وكان السجن حداً لهذا الظلم، وقد يسجن مظلوم وهو بريء كما أدخل سيدنا يوسف -عليه السلام- السجن وقال: -رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه- (يوسف:33)، ولو أن أحدنا حبس في بيته ومنع من الخروج والإتصال بالآخرين لأحس بالضيق والقلق، فكيف حال السجين وقد أصبح مقدر له العيش فترة من عمره ليست بقليلة و جاره مدمناً أو سارقاً أو حتى قاتلاً ؟
فالأحرى أن يتم تقسيم المساجين على الأقل حسب نوع الجريمة لتفادي إنتقال السلوكيات الإجرامية بينهم فيخرج السجين أخطر مما دخل عليه، ومن الافضل رعاية أسر السجناء مادياً ومعنوياً لحين خروج السجين حتى لا نعالج خطأ فرد بإنحراف اسرة كاملة تم سجن العائل الوحيد لها، وتقديم رعاية للسجين بعد خروجه والتأكد من استقراره مادياً واجتماعياً ونفسياً لضمان عدم عودته للجريمة والسجن مرة أخرى، فيتفرض أنه ليس من مهام السجن استلام السجين والإفراج عنه بعد انقضاء مدته فقط.
قد علمنا رسول الله ﷺ دعاء لقوله في مثل تلك الأوقات -سبحانك اللهم المفرج عن كل مسجون، سبحانك اللهم المنفس عن كل محزون، سبحانك اللهم يا مجري المياه في البحار والعيون، اللهم بمنك وفضلك و جودك ورحمتك أغثنا يا مغيث (ثلاثاً) واقضي لي حاجتي يارب العالمين-.
أخيراً يجب على الجهات المختصة تذليل العقبات والصعوبات وإطلاق مبادرات بهدف إعادة الدمج بين السجين بعد إخلاء سبيله وباقي طوائف المجتمع، ويبقى السجن إختباراً قاسياً يكشف هشاشة الروح البشرية وصلابتها في آن واحد ورغم ظلام الجدران وبرودة العزلة، يولد الامل مع كل شروق جديد ويظل الأمل بالحرية والبدء من جديد شعاعاً يتشبث به السجين ليبدأ صفحة جديدة من حياته بروح تذوقت المعاناة، فرفقاً بهم وبأسرهم.
لا يوجد تعليقات