الاستعجال ليس سئ في كل الأحوال
عصر السرعة الذي نعيش فيه حالياً يحتم علينا الاستعجال في كل أمور الحياة، الكثير من الناس يسعون لتحقيق أهدافهم بسرعة ويرغبون في الوصول إلى النتائج في أقصر وقت ممكن فاصبح الاستعجال سمة من سمات الحياة، الانسان طبيعته عجول والنفس بطبيعتها مندفعة وهذا أمر خلقه الله سبحانه وتعالى لحكمة عظيمة كما قال: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾. ليس كل الاستعجال ضار، هناك استعجال محمود كالسرعة المطلوبة لتحقيق الأهداف بفاعلية دون التسرع الذي يقود لنتائج سلبية. سنلقي الضوء على الفرق بين الاستعجال المحمود والاستعجال المذموم وكيفية جعل المذموم محموداً.
بدءًا بالاستعجال المذموم فهو عبارة عن اتخاذ قرارات خالية من تقدير العاقبة ومن الاحاطة بالظروف والملابسات ومن أخذ الأهبة والاستعداد وهو اندفاع عشوائي أشبه بالقفز دون النظر للأمام. وله أمثلة عدة أهمها: الاستعجال عند الدعاء وانتظار الاستجابة الفورية كما قال رسول الله ﷺ (لا يزال يستجاب للعبد مالم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل) صدق رسول الله ﷺ، والاستعجال في الحكم على الاشياء والمواقف والاشخاص غالباً ما يكون حكم خاطئ برمته حيث أنه غير قائم على أسس ثابتة، ويجب التروي والتفكير جيداً قبل إصدار الاحكام جزافاً.
من صور الاستعجال المذموم الاستعجال في طلب العلم حين نرى طلاب العلم قد أصيبوا بداء العجلة وسقوط الهمم ونفاذ الصبر وترك الجلوس عند ركب العلماء وملازمتهم، اصبح كل همهم المختصرات والواجبات العلمية السريعة، كما قيل سابقاً: العلم ثلاثة أشبار، من دخل الشبر الأول تكبٌر، ومن دخل الشبر الثاني تواضع، ومن دخل الشبر الثالث علم أنه لم يعلم.
كما أن الاستعجال على الرزق من أهم صور الاستعجال المذموم، جاء في كتاب -المستطرف في كل فن مستظرف- أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه دخل المسجد، وقال لرجل كان واقفًا على باب المسجد: أمسك عليَّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامَها، ومضى وترك البغلة، فخرج عليٌّ وفي يده درهمان ليكافِئَ بها الرجل على إمساكه بغلتَه، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها، ومضى ودفع إلى غلامه درهمين ليشتري بهما لجامًا، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي كرم الله وجهه: إن العبد لَيَحرِمُ نفسَه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قُدِّرَ له.
عند محاولة النظر إلى نصف الكوب المملوء والتطرق إلى الاستعجال المحمود، سنجدهما شتان عن بعضهما البعض، فلم يخلق الله فينا شيئاً هباءًا ونحن من نقدر على استخدام تلك الصفات والأشياء بالطريقة الصحيحة المناسبة لنا.
الاستعجال المحمود هو السرعة المنضبطة التي تنتج من حافز قوي يكون مصحوباً بتخطيط جيد وإدراك التحديات الممكن مواجهتها، ويعد استجابة عقلانية للظروف التي تستدعي التحرك السريع سواء في العمل أو الدراسة أو الحياة الشخصية ويقوم على اساس المعرفة المسبقة والاعداد الجيد لتحقيق الهدف في أقصر وقت وبأفضل جودة ممكنة، هناك مواقف معينة تتطلب سرعة التصرف واتخاذ القرار منها: الازمات الطارئة التي تحتاج الى رد فعل سريع لحل المشكلة بأسرع وقت ممكن للحد من الأضرار، في كثير من الأحيان تأتي الفرص على شكل لحظات عابرة إذا لم يتخذ القرار بسرعة فقد تضيع الفرصة ولن يسنح لك القدر لمصادفتها مرة اخرى.
من أهم أمثلة الاستعجال المحمود هو التكيف مع التغير في ظل هذا العالم السريع قد يكون التكيف مع المستجدات وتجنب التخلف عن الركب خاصة في المجالات التي تتطور بسرعة مثل التكنولوجيا أمراً ضروري لا مفر منه، الاستعجال في التوبة إلى الله وأداء الحقوق إلى أصحابها والإنتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيى الانسان، والاستعجال في الخير وتقديم المساعدة لمن يحتاجها والمسارعة في الخيرات.
لمحاولة تحويل الاستعجال المذموم الى محمود فعلينا إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الفعل، فذلك يهدئ النفس ويحمل على التريث والتأني، الإقتداء بذوي الخبرة والتجربة ممن سبقوا على نفس الطريق يجعل خطواتنا أسرع وأدق، العمل من خلال منهج وبرنامج واضح الأركان محدد المعالم، عدم الرهبة أو الخوف من أخذ خطوة نحو الامام ينير امامنا الطريق لمحاولة تفادي أي عثرات تعرقل السير، معرفة الغاية والهدف من الفعل أهم ما يدفعنا نحو القرار الصائب بخُطى واثقة.
لكل شئ أجل مسمى ولكل ثمرة أواناً تنضج فيه فيحسن عندئذ قطفها، العجلة في غير موضعها تدل على ضعف العقل وقلة رزانته.
لا يوجد تعليقات