قرأنا كثيراً عن الذكاء للانسان والذكاء الاصطناعي لكن لم نقرأ عن ذكاء النباتات والاشجار وكم هي مخلوقات مبدعة ومتكاتفة جنباً إلى جنب.
فلم تعد الغابة مجرد صفوف من الأشجار وإنما هي أشبه بمجتمع تكافلي يتبادل المعرفة والخبرات والرعاية في موجات لا تختلف كثيراً عن موجات الدماغ البشري. كما إن الخيال والحكايات الخرافية التي تحدثت عن -الاشجار الناطقة- لم تكن بعيدة عن الصواب على الإطلاق، فبدعم من الأدلة العلمية، يقول كتاب -الحياة الخفية للأشجار- أن الأشجار لا تستطيع التواصل فحسب، بل إنها تستطيع أيضاً التفكير والتذكر. ومن إبداع خلق الله أن جعل الاشجار لديها حواس خمس مثل الانسان، تذوق وشم ولمس وسمع وشعور، سنقوم بأخذ جولة وسط هذا العالم الاخضر لمحاولة فهم تلك الحواس.
حاسة السمع: كتب -ويترووليين- مؤلف كتاب -الحياة الخفية للأشجار- عن كيفية تحرك جذور شتلات الحبوب في إتجاه الموجات فوق الصوتية القادمة من طقطقة جذور شتلات اخرى في الجوار.
حاسة التذوق: عند محاولة -حشرة ما- قضم النبات، تتذوق الورقة لعاب الحشرة فيتم تحفيز آلية الدفاع لديها وتقوم بإطلاق فيرومونات التي تجذب الحيوانات المفترسة التي تتغذى على تلك الحشرة.
حاسة الشعور: فإن أوراق اشجار الزان والبلوط تشعر بالالم عندما يتم مضغها وترسل نبضات كهربائية تماماً مثل الحيوانات.
وحين القول بأن النباتات لها ذاكرة لم تكن خرافة فقد أظهرت التجارب على -الميموزا- وهو -النباتات التي تطوي أوراقها عند لمسها- أنها يمكن أن تتعلم أن قطرات الماء غير ضارة وتتوقف عن الطي عند لمسها بل إنها يمكن أن تتذكر وتبدي نفس السلوك عندما تتكرر التجربة بعد عدة أسابيع.
ومن الإعجاز في خلق الله ﷻ للأشجار أنها تعد من الكائنات الإجتماعية، فمنها السعيد والحزين والوحيد. فالاشجار المنعزلة صماء وبكماء فتفقد قدرتها على التواصل وتكون عرضة للموت اسرع وتتلف جذورها بشكل لا يمكن اصلاحه، والبعض منها يكون متسلط وتستخرج اكثر من نصيبها من الموارد. أما الاشجار التي تنمو بجانب آبائها تعيش لفترة اطول وتكون اكثر سعادة، كما بينت الدراسات أيضاً بوجود اشجار تحب الخير والمساعدة للاشجار المصابة المجاورة وتغذيهم بالفيتامينات التي يحتاجون اليها.
لنكمل معاً التأمل في خلق الله ونذهب إلى جذور الاشجار حيث تتكون من هياكل تشبة الدماغ فتعرف جيداً التصرف الصحيح عندما تلتقي بصخرة أو مادة سامة في طريقها. وقد ورد ذكر الشجرة في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة مرات عديدة، وهذا إحتفاء ظاهر بهذه الشجرة لأنها ترمز للعطاء والخير والبركة.
قال رسول الله ﷺ (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم)
سيرد إلى أذهاننا سؤال منطقي وهو لماذا تتواصل الاشجار إجتماعيا؟ فنجد أنه من الأفضل للاشجار العيش معاً، فالشجرة الوحيدة لا تستطيع الحفاظ على مناخ ثابت بينما الاشجار معاً تستطيع أن تخلق بيئة تحميها من الرياح والطقس. فلنكن صرحاء قليلاً مع أنفسنا، بعد ذلك الحديث عن روعة الاشجار وعظمة خلقها وعلمنا بانها تعاني من الالم ولديها ذكريات وأن ابآء الاشجار يعيشون مع أطفالهم، هل ستستمر الانسانية في إيذاء الاشجار عن طريق قطعها أو قطفها أو تعطيل حياتها بأي شكل من الاشكال؟
رغم الدراسات والأبحاث لفهم لغة الأشجار، لا يزال هناك الكثير مما لم يُكتشف ولم تُفَكّ شفراته. فنحن نعرف فقط ما تعبر عنه الأشجار عندما تكون في خطر، لكننا لم نصل بعد إلى فهم سلوكها وهي صامتة أو مرتاحة أو سعيدة. فما خفي كان أعظم. ومن المهم إدراك أن حماية الطبيعة تعني أولاً حماية أنفسنا؛ لذا يجب أن نستمتع بالطبيعة أكثر، فما نحبه سنحرص على حمايته.
لا يوجد تعليقات