العبودية بوجهها المعاصر
تخيل أن خطأ صغير إرتكبته في لحظة ضعف يمكن أن يغير مسار حياتك بالكامل ليس ليوم أو عام بل مدى الحياة هذا هو الواقع الصادم الذي فرضه قانون الضربات الثلاثة في الولايات المتحدة، القانون وضع في البداية بغرض الحد من تكرار الجرائم العنيفة ليعمل كأداة ردع قوية للمجرمين لكنه تحول لقانون ظالم لأصحاب الجرائم البسيطة.
في مشهد درامي حقيقي اشخاص انتهت حياتهم خلف القضبان لأنهم سرقوا قطعة خبز أو ارتكبوا مخالفة بسيطة لمجرد أن سجلهم كان يحتوي على مخالفات سابقة، هذا القانون بدأ بنية حماية المجتمع وأنتهى بإثارة الجدل وتأثيره سلبياً على منظومة العدالة وتحديداً على الفئات الأكثر هشاشة بالمجتمع.
بدأت القصة في مارس 1994م بتوقيع الحاكم ويلسون على قانون الضربات الثلاثة بعد الموافقة عليه بأغلبية ساحقة، هذا القانون هو التعبير الأكثر أهمية في نظام العدالة الجنائية في ولاية كاليفورنيا منذ أكثر من جيل، كان مسماه وسط عامة الشعب – Three Strikes and you are out – فهو عبارة عن قانون غريب عجيب أخذ أسمه من قوانين لعبة كرة السلة حيث يطرد اللاعب بعد ارتكابة 3 مخالفات وهذا القانون ببساطة أنه عندما ترتكب سرقة أو جريمة أخرى لأكثر من مرة، بالمرة الثالثة ستأخذ العقوبة الأشد التي قد تصل لـ 25 سنة أو لمدى الحياة.
على سبيل المثال شخص يدعى -جراي أوينج- سجن لمدة 25 عام لسرقته مضارب جولف والسرقة تمت بلا عنف أو إقتحام مسلح وهو ما يسمى -شوب ليفتنج- وهو تخبئة أمراً ما في ملابسك والهروب به، و من سخرية هذا القانون تطبيقه على مواطن يدعى -جيري ديوين- وحكم عليه بالمؤبد لأخذه قطعة بيتزا من أطفال، وهناك من حكم عليه بالمؤبد لرفضه دفع أجرة تصليح المكيف لإعتباره أن المكيف لا يعمل جيدا.
أما القصة الأسخف على الإطلاق فإن قانون الثلاث ضربات لا يحتاج لـ 3 جرائم مختلفة بل يكفي 3 مخالفات بنفس الجريمة، فمثلا إذا سرقت وعندما أتت الشرطة هربت من رجال الشرطة ثم تم إمساكك وحاولت مقاومتهم فهنيئاً لك السجن المؤبد، فأنت في نظر القانون الأمريكي سارق و هارب من العدالة ومقاوم لرجال الشرطة ولإزدياد الطين بلة كما يقولون قديماً لا تسقط هذة الأحكام بالتقادم و لو بعد 100 سنة من إرتكاب الجريمة.
قد بينت الإستطلاعات و الأبحاث تزايد القضايا المتراكمة في المحاكم و إنخفاض عدد المدعي عليهم الذين يعترفون بالذنب المرتكب حيث يتم تخفيض العقوبة من خلال المساومة على الإقرار بالذنب، و أدى إلى زيادة عدد الأشخاص المحتجزين في سجن المقاطعة في إنتظار المحاكمة و لأن الجناة المتهمين بموجب قانون الضربات الثلاثة يواجهون أحكاماً كبيرة بالسجن فإن معظم المقاطعات تحدد الكفالة للمجرمين الذين يرتكبون الجريمة للمرة الثانية بمبلغ ضعف المبلغ المعتاد للكفالة للمجرمين الذين يرتكبون الجريمة للمرة الثالثة استغلالاً لحاجتهم و لإنها تعد الفرصة الأخيرة لهم قبل تطبيق قانون الضربات الثلاثة عليهم، ذلك ترتب عليه زيادة أمن السجون حيث أن الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة في قضيتهم الثالثة و إحتمالية سجنهم مدى الحياة يحتاجون إلى تشديد الحراسة و إشراف أدق و ترتيبات معقدة.
لا يمكن لهذة الإحصائيات إلا أن تبدأ في نقل فداحة الظلم الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، لقد حان الأوان منذ وقت طويل لإصلاح نظام السجون الذي يوصم أمريكا ويتحدى مكانتها الأخلاقية وقيمها المجيدة، هل من المنطق أن تطبق عقوبات قاسية على جميع الجرائم دون مراعاة الظروف المحيطة بالجريمة؟
يعتمد القانون بشكل أساسي على العقاب بدلاً من إعادة تأهيل المجرمين و دمجهم مرة أخرى في المجتمع، قانون الضربات الثلاث هو مثال على محاولات الأنظمة القضائية لتحقيق التوازن بين حماية المجتمع و ضمان العدالة و مع ذلك فإن تطبيقه دون تمييز بين طبيعة الجرائم يثير أسئلة حول أخلاقياته و فعاليته، ربما يحتاج هذا القانون إلى مراجعة وتعديلات تضمن تحقيق هدفه دون المساس بمبدأ الإنصاف و الرحمة، تطبيق القانون بشكل آلي قد يخلق أضراراً تفوق الفوائد، من الأفضل التركيز على تعزيز برامج الإصلاح والتأهيل لتوفير فرصة للمجرمين لتغيير مسار حياتهم، العدالة الحقيقية لن تتحقق بمجرد فرض عقوبات صارمة..
لا يوجد تعليقات