الأمومة هي واحدة من أقدس وأصعب المهام في الحياة، فالأم ليست فقط منجبة للطفل، لكنها مصدر الحنان والحماية والتعليم. ومع تغير نمط الحياة، أصبحت الأمهات تواجهن معضلة كبيرة: هل يجب أن تتحمل الأم مسؤولية تربية أطفالها بالكامل، أم تستعين بمربية تساعدها؟ هذه القضية تثير الكثير من الجدل، لأن لكل خيار مزاياه وتحدياته، ولكل طفل احتياجاته الخاصة. لنستعرض سويا الإيجابيات والسلبيات لكلا الخيارين، مع طرح أمثلة واقعية وتجارب تعكس تأثير كل منهما على نفسية الطفل ونموه.
أولًا: تربية الأم لطفلها بنفسها.. العلاقة بين الأم وطفلها تبدأ قبل الولادة، عندما يشعر الجنين بدقات قلب أمه وصوتها، وبعد الولادة، تستمر هذه العلاقة بالتواصل الجسدي والعاطفي. الأطفال الذين يتلقون رعاية مباشرة من أمهاتهم يكون لديهم إحساس أعمق بالأمان والاستقرار النفسي.
أم لطفلين قررت ترك وظيفتها بعد إنجاب طفلها الأول، وكرست وقتها له بالكامل. لاحظت أنه أصبح طفلًا هادئًا وواثقًا بنفسه، وعلاقته بها قوية جدًا. على عكس صديقتها التي اعتمدت على مربية، فكانت تجد صعوبة في تهدئة طفلها أو فهم احتياجاته العاطفية. وعندما تربي الأم طفلها بنفسها، تكون لديها الفرصة لتغرس فيه قيمها ومعتقداتها الخاصة، وتعلمه بطريقة تتناسب مع أسلوب العائلة وثقافتها. بينما المربية قد تأتي بثقافة أو أسلوب تربية مختلف قد لا يتناسب مع الأم أو الأسرة.
الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول مع أمهاتهم يكونون أكثر استقرارًا عاطفيًا وأقل عرضة للمشاكل السلوكية. وجود الأم بجانب الطفل يعزز ثقته بنفسه ويجعله أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.
العديد من الأمهات يشعرن بالذنب عندما يتركن أطفالهن مع المربية، خصوصًا في اللحظات المهمة مثل أول كلمة يقولها الطفل، أو أول خطوة يمشيها. هذا الشعور يمكن أن يؤثر على نفسية الأم ويجعلها تشعر بالتقصير، حتى وإن كانت تعمل لتأمين حياة أفضل لأسرتها.
ثانيًا: الاستعانة بالمربية .. حل عملي أم تهديد للعلاقة الأسرية؟بعض الأمهات، خاصة العاملات، يجدن صعوبة في التوفيق بين العمل ورعاية الأطفال. في هذه الحالة، تكون المربية حلًا عمليًا يسمح للأم بتحقيق ذاتها دون الإحساس بالإرهاق المستمر. هناك مثال واضح للموازنه بين الامومه والعمل، طبيبة ناجحة، اضطرت للعودة إلى عملها بعد ولادة طفلها. استعانت بمربية محترفة، مما سمح لها بالتركيز على عملها دون أن تشعر بالقلق المستمر بشأن طفلها. كانت توازن بين العمل والوقت الذي تقضيه مع طفلها، مما جعلها أماً حاضرة عاطفيًا رغم انشغالها. و بعض الأمهات لا يعتمدن على المربية بشكل كامل، بل كوسيلة مساعدة فقط. فالمربية تساعد في الأعمال المنزلية والعناية بالطفل، لكن الأم تبقى المسؤولة عن التربية العاطفية حيث ان المربيه لا يجب الاعتماد عليها ولا تعد كبديل للأم ..
يوجد مخاطر للاعتماد الكامل على المربية
الارتباط الزائد بالمربية: بعض الأطفال يتعلقون بالمربية أكثر من أمهم، مما يسبب مشاكل في العلاقة بين الأم والطفل.
اختلاف الأساليب التربوية: قد تستخدم المربية أساليب لا تتماشى مع قيم الأسرة، مما يخلق تضاربًا في التربية.
خطر الإهمال أو سوء المعاملة: للأسف، هناك حالات سجلت فيها إساءة معاملة الأطفال من قبل المربيات، لذلك يجب اختيار المربية بعناية ومراقبة تعاملها مع الطفل.
أيهما أفضل؟.. الحقيقة أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، فالأمر يعتمد على ظروف كل أسرة. بعض الأمهات قادرات على التفرغ لأطفالهن دون مشاكل، بينما أخريات يحتجن للمربية للمساعدة، خاصة في ظل ضغوط الحياة والعمل.
كيف نحقق التوازن؟
1. تقليل وقت الطفل مع المربية قدر الإمكان حتى لو كانت الأم مشغولة، من المهم أن تقضي وقتًا نوعيًا مع طفلها يوميًا.
2. اختيار مربية بعناية: يجب أن تكون المربية موثوقة وتتمتع بأخلاق عالية، والأفضل أن تكون لديها خبرة في تربية الأطفال.
3. التركيز على العلاقة العاطفية مع الطفل: سواء كانت الأم متفرغة أم لا، الأهم أن يشعر الطفل بالحب والاهتمام الحقيقي من أمه.
4. الاستفادة من التكنولوجيا: يمكن للأمهات العاملات استخدام مكالمات الفيديو والبقاء على اتصال دائم بأطفالهن أثناء غيابهن.
في النهاية، لا يمكننا القول إن هناك خيارًا واحدًا صحيحًا، فكل أم تعيش ظروفًا مختلفة وتواجه تحدياتها الخاصة. الأهم هو أن يشعر الطفل بالحب والأمان، سواء كان ذلك من أمه بشكل مباشر أو بمساعدة مربية. الأمهات اللاتي يربين أطفالهن بأنفسهن يبنين روابط قوية مع أطفالهن، بينما الأمهات العاملات اللاتي يستعن بالمربيات يمكنهن تحقيق التوازن إذا كن حريصات على البقاء حاضرات في حياة أطفالهن عاطفيًا. الأمومة ليست مجرد حضور جسدي، بل هي حب، اهتمام، واحتواء، فالمهم هو أن يكون الطفل محاطًا بالدفء العاطفي والاهتمام، بغض النظر عن الطريقة التي يتم بها ذلك.
لا يوجد تعليقات