عندما يتجاوز الزمن حدود المنطق
هل سبق لك أن كنت جالساً مع أهلك و فجأة شعرت أنك سبق و شاهدت هذه اللحظة من قبل؟ ربما إبتسمت في صمت و تسائلت هل أنا عالق في حلقة زمنية مفرغة؟ ما شعرت به يعرف بإسم – ديجافو – و هي تلك اللحظة التي يجتمع فيها الغموض مع الغرابة ليجعل عقلك يطلق جرس إنذار صغير يقول هل مررت من هنا من قبل أم لا!
الديجافو هو شعور يضعك في حيرة بين الواقع و الخيال يجعلك تشك في ذاكرتك، تخيل أن عقلك يشبه دكتور عام في قسم الطوارئ يواجه سيلاً من المترددين إلى المستشفي في حادث أتوبيس نقل عام فينسى من تلقى العلاج ويتذكر آخر ويخلط بين المصاب فاقد للوعي وبين المتوفي، العلماء يعتقدون أن هذه الظاهرة قد تكون مثل – خطأ برمجي – في دماغك لكنه ليس الخطأ الذي يجعلك تشعر بالحرج مثل إرسال رسالة نصية للشخص غير مقصود، هذا خطأ مثير للإهتمام يجعلنا نتسائل كيف يعالج الدماغ المعلومات؟
الديجافو ليس مجرد شعور عابر إنه أشبه بالضيوف غير المدعوين في الحفلة يظهرون فجأة ليثيروا الإهتمام ثم يقوموا بالإختفاء قبل أن نتمكن من فهم ما حدث و غالباً ينتهي بك الأمر بقول من الممكن أن يكون حلم من أحلام اليقظه الخاصة بي، رغم أن الديجافو يبدو كأنه لحظة سحرية أو إشارة خفية من الكون إلا أن العلم لديه رأي أكثر واقعية.
كلمة ديجافو كلمة فرنسية الأصل تعني – شوهد من قبل – ظاهرة الديجافو واحدة من أكثر التجارب الإنسانية غموضاً و إثارة للتساؤلات حيث تجمع بين الشعور بالمألوف و بين عدم القدرة على تفسيره، رغم أن هذا الشعور قد يبدو غير مألوف بالنسبة لبعض الأشخاص إلا أن الدراسات تشير إلى أن حوالي 60 إلى 70 % من الناس قد مروا بهذه الظاهرة على الأقل لمرة واحدة في حياتهم. المثير للدهشة أن الديجافو أكثر شيوعاً بين الشباب الذين يتراوح أعمارهم بين 15 و 25 عام و قد يكون ذلك بسبب التطور المستمر في أدمغتهم في هذة المرحلة أو ربما لأن هذه الفئة العمرية تكون أكثر عرضة لإكتشاف أماكن جديدة و تجارب غير مألوفة.
أحد أشهر التفسيرات العلمية للديجافو هو أنه ناتج عن خلل مؤقت في عمل الدماغ خاصة في منطقة الفص الصدغي وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الذكريات، عندما يحدث هذا الخلل قد يخلط الدماغ بين الذكريات القديمة والموقف الحالي مما يؤدي إلى الشعور بأنك مررت بهذه اللحظة من قبل، في بعض الأحيان قد تكون التجربة الحالية مشابهة جداً لتجربة سابقة مررت بها حتى لو كنت نسيت تلك التجربة من الأساس، على سبيل المثال: قد يكون تصميم غرفة أو طريقة ترتيب الأثاث في مكان ما مشابهة تماماً لمكان رأيته سابقاً، هذه التفاصيل الدقيقة قد تثير شعوراً قوياً بالمألوف.
قد يحدث الديجافو نتيجة لمعالجة المخ للمعلومات بسرعة فائقة فقد يبدو وكأنه ذكرى قديمة تم إسترجاعها وليس تجربة جديدة. هناك نظرية تشير إلى أن الديجافو قد يكون مرتبطاً بالأحلام أحياناً قد تحلم بأماكن أو مواقف تشبه الواقع ولكنك تنسى هذه الأحلام بمجرد الإستيقاظ، عندما تواجه موقفاً مشابهاً لما رأيته في الحلم قد تشعر أنك عشته من قبل. أما عن علماء الاعصاب يرون أن الديجافو قد يكون نتيجة تداخل بين مسارات الذاكرة القصيرة و طويلة الأمد، أحياناً قد تخزن تجربة جديدة بشكل خاطئ في ذاكرة طويلة المدى مما يجعلك تشعر بأنها ذكرى قديمة بالإضافة إلى التفسيرات العلمية المتعلقة بالدماغ هناك دراسات تشير إلى العوامل النفسية والمرضية تلعب دوراً في حدوث الديجافو. الأشخاص الذين يعانون من التوتر أو القلق أو الصرع خاصة في الفص الصدغي قد يحدث لهم الديجافو بشكل متكرر حيث يرتبط بتغيرات كهربائية غير طبيعية في الدماغ، بعيداً عن العلم هناك من يفسر الديجافو بشكل أكثر روحانية، بعض الثقافات تعتقد أن هذا الشعور هو دليل على وجود أرواح أو حياة سابقة في حين يعتقد آخرون أنه يمثل تلميحاً من الكون أو رسالة عن مستقبل محتمل.
رغم أن الديجافو يمكن أن يتركك في حالة من الحيرة إلا أنه في الحقيقة مجرد لخبطة صغيرة في النظام العصبي المعقد في دماغك. إذا شعرت يوماً أن كل شئ يبدو مألوفاً بشكل غريب تذكر أنه ربما عقلك يرسل لك رسالة لكن لا تتوقع أن تكون الرسالة – إعادة تدوير – لذكرياتك بل ربما هو مجرد إشارة بأنك بحاجة للإستراحة من التفكير العميق. و من يدري ربما أثناء قراءتك لهذا المقال تشعر أنك قرأته من قبل أيضا أو ربما لا..!!
لا يوجد تعليقات