نصف المجتمع أصبح من الفئات الدنيا
في السنوات الأخيرة إتخذت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة نحو تعزيز حقوق المرأة وتمكينها في المجتمع، بما في ذلك قرارت رفع القيود عن السفر دون الحاجة إلى موافقة ولي الأمر، ومع ذلك هناك الكثير من النقاش حول القيود التي كانت مفروضة سابقاً على سفر النساء، حيث أثرت هذه القيود على حرية التنقل وحالت دون قدرة المرأة على إتخاذ قرارات مستقلة بشأن حياتها ومستقبلها.
تقييد سفر المرأة السعودية مؤخراً تسبب في جدل واسع وانتقادات من قبل منظمات حقوق الانسان والناشطين على مستوى العالم، بدءًا من عام 2019م بدأت السعودية بتخفيف هذه القيود بشكل تدريجي ضمن إصلاحات تهدف إلى تعزيز دور المرأة في المجتمع وتشجيعها على المشاركة في مختلف المجالات وهذا تمهيدًا لتحقيق جزء مهم من الرؤية السعودية التي تهدف الى تحديث المجتمع السعودي وتقوية الاقتصاد وتعزيز حقوق المرأة.
على الصعيد الآخر.. بدأت إدارة الجوازات والهجرة بوزارة الداخلية فرض شروط على سفر النساء إلى السعودية، كما جاء في نص القرار بتاريخ 2024/10/26 -إلزام السيدات من الفئات الدنيا الراغبات في السفر للسعودية لأغراض الزيارة أو العمل بالحصول على تصريح سفر مسبق من الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية مع التأكد من جدية مبررات سفرهن-. والمقصود هنا بالفئات الدنيا المذكورة في القرار هن السيدات المدون في بطاقاتهن الشخصية دون عمل، أو حاصلة على دبلوم، أو ربة منزل، أو خادمة أو غيرها من الأعمال البسيطة.
يمثل هذا القرار تعنتاً وانتهاك واضح وصريح لحقوق الانسان بوجه عام والمرأة بوجه خاص غير أنه يصنف المجتمع على اساس المؤهل الدراسي وهذا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين وينتهك الدستور لمعظم الدول الأخرى لتمييزه بين الذكور والإناث في الحقوق، حيث نصت المادة 11 -على سبيل المثال- من دستور جمهورية مصر العربية على أن -تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور-.
وبالفعل بدأت شركات الطيران في تطبيق الضوابط الجديدة بسفر السيدات الى السعودية مما أدى إلى نفور مبادرات حقوق الانسان وحقوق المرأة من هذا القرار والبدء في اتخاذ اجراءات قانونية ضد هذا القرار بناءًا على ما يحمله من تمييز وعنصرية، حيث طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وزارة الداخلية بإلغاء قرارها الإداري ومحاسبة المسؤلين عن صدوره، لأن القرار استخدم عبارات مهينة تقلل من ذوات النساء وعملهن وجهودهن وهذا يوحي بنمط أوسع من فرض قيود إضافية على حرية حركة المصريين.
وأدانت المبادرة أيضاً نشر الخبر في الصحف المحلية تحت عنوان -النساء من الفئات الدنيا- بدون أي تعليق أو استنكار أو حتى تساؤل عن معنى هذا التعبير الغريب في مخالفة باتت مألوفة، إلا ان الخبر أثار موجة من الغضب والاستنكار لما احتواه النص من إهانة لنساء عاملات وغير عاملات، ويبدو أن القرار بدأ في تنفيذه يوم صدوره مباشرة دون إعطاء أي فرصة لإنتشار الخبر بين من يهمهم الأمر والشروع في تجهيز الأوراق المطلوبة للسفر، فقد منعت نساء عدة كن في طريقهن بالفعل إلى المملكة العربية السعودية وطُلب منهن تقديم تصاريح السفر ما كبدهن تكاليف إضافية وعطل سفرهن وأهدر وقتهن وأموالهن، وتسبب ذلك في ارتباك شديد في صالات المطارات والموانئ. ان هذا يعكس تقاعس المسؤلين وعدم جديتهم في إعلانهم عن التوجه لإصدار تشريعات أقوى وأوضح تختص بالمساواة ومنع التمييز، غير كل ذلك ان القرار يعد انتهاك حرية التنقل والسفر والتي تعد من الحقوق الشخصية التي لا يجوز تقيدها إلا على اساس نص دستوري أو قانوني.
تلك الوظائف التي تم التعبير عنها بـ -الفئات الدنيا- هي في الحقيقة من أقل الفئات العاملة حصولاً على حقها من ناحية ضمان ظروف العمل أو حصولهن على الحد الأدنى للاجور، فبدلاً من العمل على الإرتقاء بمن ينتموا إلى هذه الطبقة ونعينهم على الحياة بشكل افضل وأكثر إنسانية و الإقتداء بقول رسول الله ﷺ -استوصوا بالنساء خيراً-، نجد أن القرارات تقف ضدهن وتعيقهن عن التقدم والسعي وراء الحصول على مدخل رزق لهن ولأسرهن وكأنها محاولة لتقنين التحيز بدلاً من مكافحته.
لا يوجد تعليقات