كيف نوقن به ونسعى إليه؟
كم مرة جلست تفكر في المستقبل، تتساءل: “كيف سأعيش؟ هل سأجد الفرصة التي أبحث عنها؟ هل سيكفيني ما أملك؟” وربما شعرتِ بالخوف لأن الأبواب تبدو مغلقة، وكأن الدنيا تضيق عليك. لكن هل تعلم أن رزقك مكتوب لك قبل أن تولد؟ وأنه لن يسبقك ولن يتأخر عنك لحظة؟.. سنتعمق معًا في معنى الرزق الحقيقي، وسنستمد الطمأنينة من قصة عظيمة، قصة السيدة مريم عليها السلام، التي كان رزقها يأتيها في المحراب بلا طلب ولا سعي. وسنرى كيف أن الله يرزق عباده بطرق لا تخطر على البال، وأنه كما تكفّل برزق الطيور، فهو لن ينسى عباده الذين يتوكلون عليه. الرزق ليس مالًا فقط بل أوسع وأعظم.. كثيرون يعتقدون أن الرزق يعني فقط المال، لكن الحقيقة أن الرزق مفهوم شامل لكل النعم التي يهبها الله للإنسان. إليك بعض أنواع الرزق التي قد لا تنتبه لها:
الفهرس
رزق الصحة:
كم من شخص يملك الملايين لكنه يعاني مرضًا يجعله غير قادر على الاستمتاع بها؟ بينما هناك من يعيش بصحة جيدة رغم قلة المال، فيجد السعادة في أبسط الأمور.
رزق الأهل والأحباب:
أن تحاطِ بأشخاص يحبونكِ ويهتمون لأمركِ هو رزق عظيم قد لا يقدّره البعض.
رزق الطمأنينة:
بعض الناس يعيشون في قلق دائم رغم امتلاكهم كل شيء، بينما هناك من يملك القليل لكنه يعيش بسلام نفسي لا يُقدَّر بثمن.
رزق العلم:
ليس كل من يملك المال يملك الحكمة أو الفهم، والعلم نورٌ يرزقه الله لمن يشاء.
رزق القبول:
أن يحبكِ الناس ويتقبلوكِ بقلوبهم هو نعمة من الله لا تُشترى بمال. إذن، الرزق لا يقتصر على الأموال، بل هو كل عطاء يرسله الله لعباده ليعينهم على الحياة.
من أروع القصص التي تجسّد معنى الرزق بيد الله قصة السيدة مريم عليها السلام. كانت شابة عابدة، نذرت نفسها لله، فكان زكريا عليه السلام يتولى أمرها، لكنه كان يجد عندها طعامًا لم يأتِ به! يقول الله تعالى: “كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (آل عمران: 37).
ما الذي يجعل هذه القصة معجزة؟ السيدة مريم كانت تعيش في زمن صعب، حيث لم تكن المرأة تخرج لكسب الرزق. ومع ذلك، كانت تجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف! لم تكن تطلب هذا الرزق، لكنه كان يأتيها كرامةً من الله، ودليلًا على أن الله قادر على أن يرزق من يشاء بغير حساب. هذه القصة ألهمت نبي الله زكريا، فدعا الله أن يرزقه ولدًا رغم كبر سنه، فاستجاب الله له ورزقه بيحيى عليه السلام. الله لا يحتاج إلى أسباب ليعطي، فهو الذي خلق الأسباب، وإذا أراد أن يرزق عبده، فإنه يأتيه من حيث لا يحتسب. هل رأيتِ يومًا طائرًا يحمل معه طعامًا ليخزنه للغد؟ لا، لأنه يخرج في الصباح جائعًا ويعود وقد رزقه الله، دون أن يحمل همًّا للغد.
قبل أن يولد الطفل، يكون في رحم أمه بلا حول ولا قوة، ومع ذلك، يجد الغذاء عبر الحبل السري، ثم بعد الولادة يجد لبن أمه جاهزًا له، حتى دون أن يحتاج للسعي أو التفكير. كم مرة سمعنا عن شخص كان يبحث عن عمل دون جدوى، ثم فجأة تأتيه فرصة لم يكن يتوقعها؟ أو عن شخص ضاقت به الأحوال، وفجأة جاءه المال من مصدر غير متوقع؟ ..
كيف نفتح أبواب الرزق؟
1. الاستغفار: قال تعالى: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا” (نوح: 10-12).
2. التوكل على الله: قال النبي ﷺ: “لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا” (رواه الترمذي).
3. الصدقة: قال النبي ﷺ: “ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده” (رواه مسلم).
4. البر بالوالدين: من برّ والديه فتح الله له أبواب الخير والبركة.
5. القناعة والشكر: قال تعالى: “لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” (إبراهيم: 7).
ختــاماً..
لا تخاف على رزقك… فهو بيد الله! الحياة مليئة بالتقلبات، وأحيانًا نشعر بالخوف من الغد، لكن لا تنسي أن الرزاق هو الله، وأنه كما أتى برزق مريم إلى المحراب، وكما يرزق الطير في السماء، وكما أعطى لكل مخلوق نصيبه، فهو لن يترككِ أبدًا. ثق بالله، واعمل ما عليك، واترك القلق جانبًا، فكل شيء يأتي في وقته، وكل رزق يصل لصاحبه في الموعد الذي حدده الله له، لا قبل ولا بعد.
فهل ستعيش حياتك بطمأنينة، أم ستظلّ تحمل همًّا تكفّل الله به؟
لا يوجد تعليقات